ونحن نذكر من ذلك ما تيسر لنا، فنقول: إذا اجتمع معرفتان في هذا الباب فإما أن تكون إحداهما قائمة مقام الآخر، أو مُشبهة به، أو هي نفسه: إن كانت قائمة مقامه أو مُشبهة به جُعل الخبر ما تريد إثباته، نحو: "كانت عقوبتك عزلتك"، وكان زيد زهيرًا، فالعزلة ثابتة لا العقوبة، والتشبيه بزهير ثابت. ولو قلت: كانت عزلتك عقوبتك فهو مُعاقب لا معزول، ولو قلت: كان زهير زيدًا ثبت التشبيه لزهير بزيد.
وإن كانت المعرفة هي الأخرى بنفسها فإما أن يكون المخاطب يعرفهما أو يجهلهما، أو يعرف أحدهما ويجهل الآخر، فإن كان يعرفها فإما أن تكون نسبة أحدهما إلى الآخر مجهولة أو معلومة، إن كانت مجهولة جاز أن تجعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر، نحو: كان زيد أخا عمرو، وكان أخو عمرو زيدًا، إذا قدرت أن المخاطب يعلم زيدًا بالسماع وأخا عمرو بالعيان، لكنه لا يعلم أن ما علمه بالعيان هو الذي عرفه بالسماع، لا فرق بين أن تجعل زيدًا الاسم وأخا عمرو الخبر، والعكس؛ لأن المجهول إنما هو النسبة، وحظ كل واحد منهما في النسبة واحد، هذا إذا استويا في رُتبة التعريف، إلا إن كان أحدُهما أنْ أو أنَّ المصدريتين، فإن الاختيار جعلهما الاسم والآخر الخبر، ولذلك قرأ أكثر القراء {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا} بنصب {جَوَابَ} - وإن كان متساويي الرتبة في التعريف - لأن {جَوَابَ قَوْمِهِ} مضاف إلى مضاف إلى المضمر، و {أَن قَالُوا} مقدر بمصدر مضاف إلى المضمر. وإنما كان الاختيار ذلك من جهة الشبه بالمضمر من حيث إنهما لا يوصفان كما لا يوصف المضمر، فعومل معاملته، والضمير إذا اجتمع مع معرفة غيره كان الاختيار أن يُجعل الاسم لأنه أعرف من الظاهر.