وأمر أن يعرض عليه ماؤه أي بوله مع مياه كثيرة لمرضى وأصحاء، فجعل يستعرض القوارير حتى رأى قارورة الرشيد فقال: قولوا: لصاحب هذا الماء يوصي.
فإنه قد انحلت قواه، وتداعت بنيته، ولما استعرض باقي المياه أقيم فذهب، فيئس الرشيد من نفسه وأنشد:
إن الطيب بطبه ودوائه ... لا يستطيع دفاع نحب قد أتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان أبرأ مثله فيما مضى
مات المداوي، والمداوى، ... والذي جلب الدواء أو باعه، ومن اشترى
وبلغه أن الناس أرجفوا بموته.
فاستدعى حماراً وأمر أن يحمل عليه فاسترحت فخذاه.
فقال: أنزلوني صدق المرجفون، ودعا بأكفان فتخير منها ما أعجبه وأمر فشق له قبر أمام فراشه ثم اطلع فيه فقال: ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية.
فمات من ليلته، فما ظنك ـ رحمك الله ـ بنازل ينزل بك فيذهب رونقك وبهاك ويغير منظرك ورؤياك، ويمحو صورتك وجمالك، ويمنع من اجتماعك واتصالك، ويردك بعد النعمة والنضرة، والسطوة والقدرة، والنخوة والعزة، إلى حالة يبارد فيها أحب الناس إليك، وأرحمهم بك، وأعطفهم عليك، فيقذفك في حفرة من الأرض قريبة أنحاؤها مظلمة أرجاؤها، محكم عليك حجرها وصيدانها، فتحكم فيك هوامها وديدانها، ثم بعد ذلك تمكن منك الأعدام وتختلط