لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على الله، أما سمعت الله تعالى في كتابه يقول: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ

إلى قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ

(الرحمن: 10- 22) ، أفترى الله أباح هذه لعباده ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإن ابتذالك نعم الله بالفعال خير منه بالمقال، قال: عاصم: فما بالك في جشوبة مأكلك وخشونة ملبسك، فإنما تزييت بزيك، قال: ويحك إن الله فرض على أئمة الحقّ أن يقدروا نفسهم بضعفة الناس لئلا يتبيّغ بالفقير فقره.

[152]- قال ابن عبّاس: دخلت على علي عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال:

والله هي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا.

[153]- ومن كلام له: ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار المعرّى «1» ، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير فيقول: يا فلانة غيّبيه عنّي فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها عن نفسه، وأحبّ أن يغيّب زينتها عن عينيه.

ولقد كان في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يدلّك على مساوئها وعيوبها إذ جاع فيها مع خاصّته، وزويت عنه مع عظم زلفته، فلينظر ناظر بعقله: أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه، فليعلم أن الله قد أهان غيره حين بسط الدنيا له وزواها عن اقرب الناس إليه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015