والبصائر ونثر الدر ومحاضرات الراغب متميّزا، بل لعلّ «العقد» من بينها قد اكتسب أهمية خاصة. وبالمقارنة تبيّن مدى دين ربيع الأبرار ونهاية الأرب والمستطرف للتذكرة الحمدونية في ما أوردته من نصوص. إلى جانب ذلك تضاءل الدور الذي احتلته مصادر كانت محورا هامّا في الجزء الأول مثل حلية الأولياء، ونهج البلاغة، وكليلة ودمنة، والأدب الكبير لابن المقفع.
ومما يلفت النظر ان ابن حمدون تعرّف على بعض شعراء أفريقية، وهم في الأغلب ممّن ضمهم كتاب الأنموذج لابن رشيق، غير أن صورة الأندلس لا وجود لها، ومثل هذا الاحتجاب للدور الأندلسي- في القرن السادس الهجري- يعدّ مستغربا.
وفي هذا الجزء تزحزح ابن حمدون قيد فتر عن مجال الاعتماد الكلي على النقل إلى شيء من تسجيل تجاربه الذاتية، فهو يعرف الشيخ الزاهد أبا عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي ويروي عنه (الفقرة 167) ، ويحدثنا عن بعض رجالات عصره حديث العارف بهم المتتبع لأخبارهم مثل وزير الموصل الملقب بالجواد ويوسف بن أحمد الحرزي ومجاهد الدين قايماز صاحب إربل؛ وهو لسبب يصعب الكشف عنه أو الاهتداء إليه شديد التحامل على زنكي بن آق سنقر، من بين معاصريه، وينسب إليه أعمالا منكرة، تجعل منه جبّارا عتيّا، وينسى دوره في جهاد الصليبيين، ونشر العدل والأمن في ربوع بلاده.
ولعلّ من الإنصاف أن نقول إن ابن حمدون ناقل تعجبه الحكاية ويهمّه منها مدى انطباقها على موضوع الباب، وانه لا يحكمه في نقله ميل أو هوى- مذهبي أو سياسيّ- وان كتابه سيظلّ «أدبيّا» في المنزع العامّ، يرجح فيه جانب العبرة أو التسلية على موثوقية الخبر؛ ومن المغالاة أن نتطلب منه شيئا أبعد من ذلك.
(2) وقد اعتمدت في تحقيق هذا الجزء على النسخ الآتية: