خراسان حتى وافى به العراق، قال له المأمون: لأن أستحييك بحقّ أحبّ إليّ من أن أقتلك بحقّ، ولأن أقتلك بالبراءة أحبّ إليّ من أن أقتلك «1» بالتهمة، وقد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيا، وكنت فيها أنتج «2» وأيامك فيها أطول، فاستوحشت مما كنت به آنسا، ثم لم تلبث أن رجعت عنّا نافرا، فخبّرنا عن الشيء الذي أوحشك من الشيء الذي صار آنس لك من إلفك القديم وأنسك الأول، فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، والمريض من الأطباء يحتاج إلى المشاورة، وان أخطأك الشفاء ونبا عن دائك الدواء، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك باللائمة، فإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة، أو ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثقة، وتعلم أنك لم تقصّر في اجتهاد ولم تفرّط في الدخول في باب الحزم. قال المرتدّ: أوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم. قال المأمون: لنا اختلافان، أحدهما كالاختلاف في الأذان وتكبير الجنائز، والاختلاف في التشهد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق ووجوه القراءات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك، وليس هذا باختلاف وانما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من المحنة، فمن أذّن مثنى وأقام مثنى لم يؤثّم من أذن مثنى وأقام فرادى، لا يتعايرون ولا يتعايبون، أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه بيانا؛ والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا وتأويل الحديث عن نبينا صلّى الله عليه وسلّم، مع إجماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت هذا الكتاب فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والانجيل متفقا على تأويله، كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلاف في شيء من التأويلات، وينبغي لك ألا ترجع إلّا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها، ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015