باطلا. فاندفعت فغنّيت هذا الصوت، ولم تزل تستعيده مرارا، ثم قالت: اسمعه الآن منّي، فغنّته غناء ما خرق سمعي مثله، ثم قالت: كيف تراه؟ قلت: أرى والله ما لم أر مثله، ثم قالت: يا فلانة، أحضري ما عندك، فأحضرت عشرين ألفا وعشرين ثوبا، فقالت: هذا ثمنه، وأنا الآن داخلة إلى أمير المؤمنين، ولن أبدأه بغناء غيره، وأخبره أنه من صنعتي، وأعطي الله عهدا لئن نطقت بأنّ لك فيه صنعة لأقتلنّك، هذا إن نجوت منه إن علم بمصيرك إليّ. فخرجت من عندها، وو الله إني لأكره جائزتها أسفا على الصوت، فما جسرت والله بعد ذلك أن أتنغّم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت. فدخلت على المأمون في أوّل مجلس جلسه للهو بعدها، فبدأت به في أوّل ما غنّيت، فتغيّر لون المأمون وقال: من أين لك هذا؟ قلت: ولي الأمان على الصّدق؟ قال: ذلك لك.
فحدّثته الحديث، قال: يا بغيض! فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته وذكرت هذا منه مع الذي أخذت من العوض؟ فهجنتني والله منه هجنة وددت معها أني لم أذكره، فآليت أن لا أغنّيه بعدها أبدا.
«80» - قالت عريب: أحسن يوم رأيته في الدنيا وأطيبه يوم اجتمعت فيه مع إبراهيم بن المهديّ عند أخته عليّة وعندهما يعقوب، وكان من أحذق الناس بالزّمر، فبدأت عليّه فغنّت من صنعتها، وأخوها يعقوب يزمر عليها:
[من الطويل]
تحبّب فإنّ الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
تبصّر فإنّ حدّثت أن أخا الهوى ... نجا سالما فارج النجاة من الحبّ
ذا لم يكن في الحبّ سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
وغنّى إبراهيم في صنعته وزمر عليه يعقوب: [من البسيط]