فجاءه بها وقال لها: احملي معك سبحة وتخشّعي، ففعلت. فلما دخلت على عثمان حدّثته، فإذا هي أعلم الناس بأمور الناس، فأعجب بها، وحدّثته عن آبائه وأمورهم، ففكه لذلك. فقال لها ابن أبي عتيق: إقرئي للأمير، فقرأت له، فقال لها: أحدي له، ففعلت، وكثر عجبه منها. فقال: كيف لو سمعتها في صناعتها؟ فلم يزل ينزله شيئا فشيئا حتى أمرها بالغناء، فقال لها ابن أبي عتيق:

غنّي: [من الطويل]

سددن خصاص الخيم لمّا دخلنه ... بكلّ لبان واضح وجبين

فغنّته، فقام عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال: لا والله، ما مثل هذه يخرج! قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس؛ يقولون: أقرّ سلامة وأخرج غيرها، قال: فدعوهم جميعا، فتركوهم جميعا، وأصبح الناس يقولون: كلّم ابن أبي عتيق الأمير في سلامة القسّ فتركوا جميعا.

«59» - قال علّويه الأعسر المغنّي: أمرنا المأمون أن نباكر لنصطبح، فلقيني عبد الله بن إسماعيل المراكبيّ مولى عريب، فقال: يا أيّها الظالم المعتدي، ألا ترحم ولا ترقّ؟ عريب هائمة من الشّوق إليك، تدعو وتستحكم، وتحلم بك في نومها في كلّ ليلة ثلاث مرّات. قال علّويه: فقلت له: أمّ الخليفة زانية، ومضيت معه، فحين دخلت قلت: استوثق من الباب فأنا أعرف الناس بفضول الحجّاب، وإذا عريب على كرسيّ تطبخ ثلاث قدور من دجاج. فلمّا رأتني قامت فعانقتني وقبّلتني وقالت: أيّ شيء تشتهي؟ فقلت: قدرا من هذه القدور. فأفرغت قدرا بيني وبينها. فأكلنا، ودعت بالنبيذ فصبّت رطلا وشربت نصفه، فما زلت أشرب حتى كدت أسكر، ثم قالت: يا أبا الحسن، غنّيت البارحة في شعر لأبي العتاهية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015