8- والموصوفون بحسن الصوت من المغنّين: ابن سريج وقد مرّ بعض أخباره الدالة على ذلك، وابن عائشة وهذا الخبر كاف في ما ذكر عنه، وعمرو بن أبي الكنّات، وابن تيزن، وإسماعيل بن جامع، ومخارق، وابراهيم بن المهديّ.
«9» - فأما عمرو بن أبي الكنّات، فإن عليّ بن الجهم حدّث عمّن يثق به قال: واقفت ابن أبي الكنّات على جسر بغداد أيام الرشيد، فحدّثته بحديث اتّصل بي عن ابن عائشة أنّه فعله أيام هشام، وأنّه حبس الناس بغنائه، واضطربت المحامل ومدّت الإبل أعناقها حتى كادت الفتنة أن تقع. قال: فبرق ابن أبي الكنّات وقال: فأنا أفعل كما فعل، وقدرتي على القلوب أكثر من قدرته كانت، ثم اندفع يغنّي: [من الخفيف]
عفت الدار بالهضاب اللواتي ... بين ثور [1] فملتقى عرفات
ونحن على جسر بغداد. وكان إذ ذاك على دجلة ثلاثة جسور معقودة، فانقطعت الطرق، وامتلأت الجسور بالناس، وازدحموا عليها، واضطربت حتى خيف عليها أن تنقطع لثقل ما عليها من الناس. فقبض عليه وحمل إلى الرشيد فقال له:
ويلك! أردت أن تفتن الناس؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنه بلغني أنّ ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام، فأحببت أن يكون في أيامك مثله. فأعجبه ذلك من قوله وأمر له بمال، وأمره أن يغنّي، فسمع شيئا لم يسمع مثله، فاحتبسه عنده شهرا.
قال هذا المخبر: وكان ابن أبي الكنّات كثير الغشيان لي، فلما أبطأ توهّمته قد قتل، فصار إليّ بعد شهر بأموال جسيمة، وحدّثني ما جرى بينه وبين الرشيد.