فرحّبوا وأذنوا وسألوا عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحّبوا بجرير وأدنوه وسرّوا بمكانه، وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال: سل ما تريد جعلت فداك، قال: أريد أن تغنّيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك، قال: وما هو؟ قال:
يا أخت ناجية السلام عليكم
فغنّاه ابن سريج وبيده قضيب يوقّع به وينكت، فوالله ما سمعنا شيئا قطّ أحسن من ذلك، فقال جرير: لله درّكم يا أهل مكّة، ماذا أعطيتم! والله لو أنّ نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم يسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظّا ونصيبا، ومع هذا بيت الله الحرام، ووجوهكم الحسان، ورقّة ألسنتكم، وحسن شارتكم، وكثرة فوائدكم.
«7» - روي أنّ ابن عائشة كان واقفا بالموسم متحيّرا، فمرّ به بعض أصحابه، فقال له: ما يقيمك ههنا؟ قال: إني أعرف رجلالو تكلّم لحبس الناس ههنا؛ فلم يذهب أحد ولم يجىء، فقال له الرجل: ومن ذاك؟ قال: أنا، ثم اندفع يغنّي: [من الوافر]
جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء
بنفسي من تذكّره سقام ... أعانيه ومطلبه عناء
البيت الأول لزهير، والثاني ألحقه به المغنّون. فحبس الناس فاضطربت المحامل، ومدّت الإبل أعناقها، وكادت الفتنة أن تقع، فأتي به هشام بن عبد الملك فقال له: يا عدوّ الله، أردت أن تفتن الناس؟ قال: فأمسك عنه وكان تيّاها، فقال له هشام: ارفق بتيهك، فقال: حقّ لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تيّاها. فضحك منه وخلّى سبيله.