الذي أتاه عند غلبة الحبشي له على ملك متّسق وأمن مجتمع، فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا قد تقاصر عن إيوائه، وصغر في عينه ما شيد من بنيانه، ولولا ما وتر به ممن يليه من العرب لمال إلى محتل، ولو وجد من يجيد الطعان ويعصب الأحرار من غلبة العبيد الأشرار.

قال: فعجب كسرى لما أجابه به، وقال: إنك لأهل لموضعك من الرئاسة في أهل إقليمك ولما هو أفضل، ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة.

فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم، بعث إلى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين، وإلى الحارث بن عباد وقيس بن مسعود البكريين، وإلى خالد بن جعفر وعلقمة ابن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين، وإلى عمرو بن الشريد السلمي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، والحارث بن ظالم المرّي. فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم: قد عرفتم حال هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منهم، وقد سمعت من كسرى مقالة تخوّفت أن يكون لها غور وأن يكون إنما أظهرها لأمر أراده أن يتخذ العرب خولا كبعض طماطميه في أدائهم الخراج إليه كما يفعل ملوك الأمم الذين حوله، واقتصّ عليهم مقالة كسرى وما ردّ عليه. فقالوا: وفّقك الله أيها الملك فمرنا بأمرك وادعنا إلى ما شئت، قال: إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت وعززت بمكانكم وبما يتخوّف من ناحيتكم، وليس شيء أحبّ إليّ مما سدد الله به أمركم وأصلح شأنكم وأدام عزّكم، والرأي أن تسيروا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا بكتابي هذا إلى باب كسرى، فإذا دخلتم عليه نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم أنئ العرب على غير ما ظنّ أن حدّثته نفسه، ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه، فإنه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان، مترف معجب بنفسه، ولا تنخزلوا له انخزال الخاضع الذليل، وليكن أمرا بين ذلك يظهر به وثاقة حلومكم وغور عقولكم وفضل منزلتكم وعظيم أخطاركم. وليكن أول من يبدأ منكم بالكلام أكثم بن صيفي لسنّه وحاله، ثم تتابعوا على الولاء من منازلكم التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015