الأمثال، وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس. ثم خيلهم أفضل الخيول، ونساؤهم أعفّ النساء، ولباسهم أفضل اللباس، ومعادنهم الفضة والذهب، وحجارة جبالهم الجزع، ومطاياهم التي تبلغ على مثلها السفر ويقطع بمثلها البلد القفر. وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من تمسكه بدينه أنّ لهم أشهرا حراما وبلدا محرّما وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم، ويذبحون ذبائحهم، فيلقى الرجل قاتل أبيه وأخيه- وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك دمه- فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله. وأما وفاؤها فإنّ أحدهم يلحظ اللحظة ويومىء الإيماءة فهي عقدة لا يحلّها إلا خروج نفسه، وإنّ أحدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا في يده، فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمّته، وإن أحدهم يبلغه أنّ رجلا استجار به، وعسى أن يكون نائيا عن داره، فيصاب فلا يرضى حتى تفنى القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما يخفر من جواره، وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث عن غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله. وأما قولك أيها الملك إنهم يئدون أولادهم من الحاجة فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج. وأما قولك إنّ أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها، فما تركوا ما دونها إلا احتقارا له، فعمدوا إلى أجلّها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم، مع أنها أكثر البهائم شحوما، وأطيبها لحوما، وأرقّها ألبانا، وأقلّها غائلة، وأحلاها مضغة، وأنه لا شيء من اللحم يعالج بما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه. وأما تحاربهم وقتل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من أنفسها ضعفا وتخوّفت نهوض عدوّها إليها بالزحف، وإنه إنما تكون المملكة العظيمة لأهل بيت واحد يعرف فضله على سائرهم، فيلقون إليه أمورهم وينقادون إليه بأزمتهم. فأما العرب فإنّ ذلك كثير فيهم، حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين، مع أنفتهم من أداء الخراج والوطء والعسف. فأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى الملك إليها