752- وكتب عليّ بن نصر الكاتب إلى أمرد خرجت لحيته:
لكل حادثة يفجع بها الدهر- أحسن الله معونتك- حدّ من القلق والالتياع، ومبلغ من التحرق والارتياع، يستوجب فنّا من التعزية، ويستحقّ نصيبا من العظة والتسلية، والاختصار فيها لما قرب خطبه وشانه، والإكثار لما جلّ محله ومكانه، ومصابك هذا- أعزّك الله- في بياض عارضك لمّا اسودّ كمصابك في سواده إذا ابيضّ، والألم بنبات روضه جميما، نظير الألم به يوم يعود هشيما، فليس أحد يدفع عظم النازل بك، ولا يستصغر جسيم الطارق لك، وإن كان ما يتعقبه من المشيب أقذى للعيون وأذلّ، بيد أنّ الحاضر من النبات الذي تمنيت أن يكون معوزا، ووددت أرضك دونه جرزا، ألقى عنك النواظر وكانت ملتفتة إليك، ووقف عنك الخواطر وكانت موقوفة عليك، وصيرك قذى الأجفان، وكنت جلاها، وجعلك كربة النفوس وكنت هواها، وأبدلك من أنس التقبل وحشة التنقّل، وعوضك من رقة الترفرف كلفة التأفف، فصرت لا ترى إلّا معرضا، بعد أن كنت لا ترى إلّا متعرّضا، فتبارك الذي صرف عنك الأبصار، ونقل منك الأوطار، فكنت إربة الناكح، فصرت إربة المنكوح، ولذة الناطح، فغدوت لذة المنطوح، فأنت أبلق السّوطين إقبالا وإدبارا، وصاحب الوزرين ملوطا به ولائطا، وكاسب الإثمين مسوطا كرّة وسائطا، فعويلا دائما وبكاء، وعزاء عن الذكر الجميل عزاء، فلكلّ أجل كتاب، وعن كلّ جائحة ثواب. وقد استوفيت أمد الصّبا والصبابة، واستنبت الحسرة عليها والكآبة، فرزيّتك راتبة والرزايا سوائر، ومصيبتك ثابتة والمصائب عوائر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد فجعت بعلق ما كان أحسن وأجمل، ثم لا حيلة فإنّها الأيام لا تثبت على حالة، ولا تعرف غير التنقّل والاستحالة، تسوء تارة وتسرّ، وتحلو طورا ثم تمرّ، سرائرها خبيثة، ومرائرها نكيثة، من طيّبت له اعتبطته، ومن لهت عنه أخرمته، فآجرك الله في وجه نضب ماؤه، وذهب رواؤه، ومات