وعادة ليس من أهلها، ومنقبة ماذاق صرفها، وطبيعة ما اشتم عرفها، أتته منقادة مجيبة، وأطاعته مختارة مريدة، فلكلّ درجة قدم ترقاها، ولكل حسنة ناظر يرعاها، والإنسان بنفسه أعرف، ولشاكلته آلف. فإن يكن ما أتيت- أبقاك الله فكذلك تكون إن شاء الله- زلّة العالم وعثرة الحازم، وغفلة المتحفظ، وغفوة المتيقظ، فأمط العار بجواد حصين الصّهوة محلق الجبهة، أمين الحوافر، فسيح المناخر، عريق المفاخر، ربقة الأفكار، ومزلقة الأبصار، أو بغلة تسطو تيها على أبيها، وتبغّض الأرض إلى ممتطيها، كأنما تحطها في صبب، أو تطأ بقوائمها على لهب، وإلّا فاترك الأبّهة كما تركتك، وافركها كما فركتك، وتنحّ عن سنن الفارط، وانسلّ انسلال المغالط، وارجع لأول أمرك، لا مخطئا ولا مصيبا، ولا نبيه القدر ولا معيبا «1» .
749- ومن رسالة له إلى بعض إخوانه وقد ولي ولاية:
وأقول- أدام الله عز القاضي- إنّ الدهر كلّه كلّ، ودأبه عقد وحلّ، يحلو مرة ثم يمرّ، وينفع تارة ويضرّ، ويصفو يسيرا ثم يكدر، ويفي قليلا ثم يغدر، فالكيّس من أبنائه من انتهز فرصة عطفه وإبقائه، تشاغلا بهزله وطيبه، وتغافلا عن جدّه وتعذيبه، صلة للّذات والمسارّ، وهجرة للغثاثة والوقار. ففي هذه الحلبة جرينا، ولأخلاف هذه مرينا، فنبذنا ترتيب القضاء والشهادة، وتركنا كلفة الانحناء والسجادة، ورأينا الرّخص مأخوذا بها، والشبه مفتوحة أبوابها، وأنّ اختلاف الأئمة رحمة الله «2» إلى الأمة «3» . ولجأنا إلى كتاب الحيل عند ضيق الأمر، ورأي ابن اللبّان في طهارة الخمر، وأنّ الإجماع ليس بحجّة. والبصريون- أدام الله عز القاضي- يتبعون شيخا من شيوخ ناعمة طاحية، يزعم أنّ التوبة