دون مقامه، ويقتصر من تمامه، ويغضّ من سهامه، ويظهر بعض شكيمته، ويساوم بأيسر قيمته، ويستر كثيرا من بضاعته، ويكتم دقيق صناعته، ولا يبلغ غاية استطاعته، وأن يعاشر الناس بأصدق المناصحة، وجميل المسامحة، وأن لا يحمله الإعجاب بما يحسنه، على الازدراء بمن يستقرنه، والافتراء على من يعترضه ويلسنه، ليكون خبره أكثر من خبره، ونظرته أروع من منظره، ويكون أقرب من الإعذار، وأبعد من الخجلة والانكسار: [من الطويل]
فليس الفتى من قال إني أنا الفتى ... ولكنّه من قيل أنت كذلكا
ومن مدع ملكا بغير شهادة ... له خجلة إن قيل أن لست مالكا
ولقد نصرت بالاتّضاع، على ذي نباهة وارتفاع، وذلك أني أصعدت في بعض الأيام، مع جماعة من العوام، بين ناجر وزائر وثاجر وتامر «1» إلى الغريّ والحائر «2» ، حتى انتهينا إلى قرية شارعة، آهلة زارعة، وما منا إلّا من أملته السّميريّة «3» فأغرضته، وأسقمته فأمرضته، وفتّرته فقبضته، فكثر منا الجؤار، واستولى علينا الدّوار، فخرجنا منها خروج المسجون، وقد تقوّسنا تقويس العرجون، فاسترحنا بالصعود، من طول القعود: [من الرجز]
كأننا الطير من الأقفاص ... ناجية من أحبل القنّاص
طيّبة الأنفس بالخلاص ... منفّضات الريش والعناصي «4»
فما استتمّت الراحة، ولا استقرت بنا الساحة، حتى وقف علينا واقف وهتف بنا هاتف: أيّكم ابن الخوارزمي؟ فقالوا له: ذلك الغلام المنفرد،