صرعه، ولا ينازعه قبل انتهائه وإدباره شيء إلّا قهره؛ وإنما يحتال له قبل هيجه، ويتوثّق منه قبل حركته، ويتقدّم في حسم أسبابه، وفي قطع حباله، فإذا تمكن واستفحل وأذكى ناره واشتعل، ثم لاقى ذلك من صاحبه قدرة، ومن أعوانه سمعا وطاعة، فلو أسعطّه بالتوراة وأوجرته بالانجيل، ولددته «1» بالزّبور، وأفرغت على رأسه القرآن إفراغا، وأتيته بآدم عليه السلام شفيعا، لما قصّر دون أقصى قوّته، ولتمنّى أن يعار أصناف قدرته. وقد جاء في الأثر: إنّ أقرب ما يكون العبد من غضب ربّه إذا غضب. وقال قتادة: ليس يسكّن غضب العبد إلّا ذكره غضب الرّب.
فلا تقف- حفظك الله- بعد مضيّك في عتابي التماسا للعفو عني، ولا تقصّر عن إفراطك من طريق الرحمة لي، ولكن قف وقفة من يتّهم الغضب على عقله، والسلطان على دينه، ويعلم أنّ للعقل خصوما، وللكرم أعداء؛ وتمسّك إمساك من لا يبرّىء نفسه من الهوى، ولا يبرىء الهوى من الخطأ، ولا تنكر لنفسك أن تزلّ، ولعقلك أن يهفو، فقد زلّ آدم عليه السلام «2» وهفا، وغرّه عدوّه، وخدعه خصمه، وعيب باخلاف عزمه، وسكون قلبه إلى خلاف ثقته؛ هذا وقد خلقه الله بيده وأسكنه في دار أمنه «3» ، وأسجد له ملائكته، ورفع فوق العالمين درجته. فلست أسألك إلّا ريثما تسكن نفسك، ويرتدّ إليك ذهنك، وترى الحلم وما يجلب من السلامة وطيب الأحدوثة.
إنّ الله ليعلم، وكفى به عليما، وليشهد وكفى به شهيدا، وكفى بجزاء من يعلمه ما لا يعلم جزاء وتعرضا، وكفى به عند الله بعدا ومقتا. لقد أردت أن أفديك بنفسي في بعض كتبي، وكنت عند نفسي في عداد الموتى وفي حيّز الهلكى. فرأيت أنّ من الخيانة لك، ومن اللؤم في معاملتك، أن أفديك بنفس