لأنّ الأقلام إذا أهديت إليه قد أعطيت قوس البلاغة باريها، وأعلمت أفراس الكتابة مجريها، وأنصفت هذه الآلة ولم تظلم، وأكرمت هذه الأداة الخطرة ولم تهتضم. وإذا عدل عنه- حرسه الله- فقد أنزلت دار غربة، وأحلّت منزل هوان وذلّة، وشتّتت عن أوطانها، وشرّدت عن ميدانها، وفرّق بينها وبين من يستخدمها في توشية برود المجد، وتسهيم ملابس الحمد، وتأنّق روض الفصاحة، واستثمار جنى البلاغة، وما أحقّ هذا المعنى بما قيل: [من الكامل]
إقرأ على الوشل السّلام وقل له ... كلّ المشارب مذ هجرت ذميم
لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما في قلاتك ما حييت لئيم
ولكن لو ملكت إمارة هذه الصناعة، لحميت منابت اليراع، وصنت مغارس الغياض، ولمنعتها إلا من كلّ صنع اللسان واليد، كريم القول والفعل، ولخصصته- أدام الله تأييده- بأبيات ابن عنمة كلّها: [من الخفيف]
أنت خير من ألف ألف من النا ... س إذا ما كبت وجوه الرجال
عندك البرّ والتقى وأسى النّفس ... وحمل لمضلع الأثقال
وصلات الأرحام قد علم الله ... وفكّ الأسرى من الأغلال
وعلى هذه المقدمات التي طغى بها اللفظ، ولم أعتمد فيها إلا ما بيّن عن القصد، فقد نفذت خمسة أقلام لا أصفها بالجودة ولا الجود، فأطعن على فروسيّة يده التي تمتطي الصعب والذّلول، وتمرّ في الوعث والسهول، وهو- أدام الله تأييده- يشفّع في قلّتها نيّة منفذها، إن شاء الله تعالى.
739- ومن كلام أخي أبي نصر الحسن بن الحسن بن حمدون:
وقد كان الاحتياط من طعن الغائب يقتضيني إخلاء هذا الجمع مما يتّهم هواي فيه، وحكم الإنصاف عليّ بأن أوفّيه حقّه إذ كان لاحقا بالقدماء في صناعته؛ تشهد له بذلك رسائله.