735- وكتب إلى صديق له:

قد عرفت، أيها الأخ، الدّهر وتبدّله، والزّمان وتنقّله، وأنه غير ملتزم لوتيرة، ولا مبرم الفتل على مريرة، بينا هو مقبل حتى يعرض، ومنبسط حتى ينقبض، ومعط حتى يحرم، ومعاف حتى يسقم، وعادل حتى يظلم، وبان حتى يهدم؛ الغدر سجيّته ودأبه، والفتك بغيته وطلابه. فالعاقل غير ساكن إلى حبائه، والحازم غير واثق بوفائه. لا يجد الإنسان عليه ظهيرا، ولا من نوائبه نصيرا، إلا أخا ادّخره في رخائه لشدّته، وذا ودّ اعتقده بأصالة رأيه لفاقته، فعساه أن يلطف لإزالة بلواه، إذا غاض صبره على سكون من النّفس إليه، وأمان من الشماتة بما يقف من حاله عليه. فكثيرا ما خرج الأحرار بأحزانهم مستروحين بنفثها، وباحوا بأشجانهم بائحين ببثها، إلى مستبشر بما لحقهم، وإن كتم استبشاره وحزنه، ومبتهج بما طرقهم وإن ستر ابتهاجه وشجنه، وما أحسن وصية المتنبي، سقى الله صداه، في قوله: [من البسيط]

لا تشك يوما إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم

فليس بقليل الحظّ من ظفر بخلّ أمن سرّه وجهره، وعلم خيره وشرّه، وطعم حلوه ومرّه. وما زلت على مرّ الليالي والأزمان، أنتقي الأخلّاء والإخوان لأضيف إليك آخر أعضدك ونفسي باختصاصه، ويشدّ عضدك ويدي باستخلاصه، حتى طلع في السنين المتطاولة، وبعد ليّ الأيام المماطلة، في أفق المودّة والإخاء، وسماء المخيلة والرّخاء، السيّد أبو فلان، وألفيته متخلّصا من شوائب القتام، موفيا في رضاع سخيله على بدر التمام. فأوّلت رؤيته «1» أمرا مقبلا وسللت على عنق الأيام منه منصلا، وما زالت الخبرة توفي على الخبر، والتجربة تزيد في حسن الأثر، إلى أن استحكمت قواعد الوداد، وضربت الثقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015