عشت أطول الأعمار في زيادة من النعم، موصولة بقرائنها من الشكر، لا تقضي حقّ نعمة حتى تجدّد لك أخرى، ولا يمرّ يوم الا كان موفيا على ما قبله، مقصّرا عما بعده. إني تصفحت حال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا إلى السادة في هذا اليوم فالتمست التأسّي بهم في الاهداء، وإن قصّرت الحال عن الواجب، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها منك، فكنت إن أهديت منها شيئا كمهدي مالك إليك [ومنفق نفقتها عليك] ، ومن لم يزد على أن نبّه على نعمتك واقتضى نفسه الشكر لك؛ وفزعت إلى مودّتى وشكري فرأيتهما لك خالصين، قديمين غير مستحدثين، فرأيتني إن جعلتهما هديتي إليك لم أجدّد لهذا اليوم الجديد برّا ولا لطفا، ولم أقس منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصّرا عن الحق، والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة. ولم أسلك سبيلا ألتمس بها برّا أعتدّ به، أو لطفا أتوصّل به، إلا وجدت إفضالك قد سبقني إليه، فقدم لك حق السبق إلى البرّ والطول، فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك بما يجب لك، والعذر عن العجز برّا أتوصّل به إليك؛ وقلت: [من الكامل المرفل]
إن أهد نفسي فهو مالكها ... وله أصون كرائم الذّخر
أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد شكري فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر
والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضيء بسنّة البدر
«12» - أهدى أحمد بن يوسف إلى إبراهيم بن المهدي هدية وكتب إليه:
الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هدية من لا يحتشم إلى من لا يغتنم ما لا أكثّره تبجّحا، ولا أقلّله ترفعا.