«67» - قال الأصمعيّ: حججت فبينا أنا بالأبطح إذا بشيخ في سحق عباءة، صعل الرأس ثطّ أخزر أزرق، كأنما ينظر من فصّ زجاج أخضر، فسلّمت فردّ عليّ التحية، فقلت: ممن الشيخ؟ قال: أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. قلت: فما الاسم؟ قال: قبيصة بن مازن [1] . ثم قال: أعربي أنت؟
قلت: نعم. قال: من أية العرب أنت؟ قلت: من أهل البصرة. قال: فإلى من تعتزي؟ قلت: إلى قيس بن عيلان. قال: فأيهم؟ قلت: أحد بني يعصر [2] ، وأنا أقلب ألواحا معي. فقال: ما هذه الخشبات المقرونات؟ قلت: أكتب فيهنّ ما سمعت [3] من كلامكم. قال: وإنكم مختلّون إلى ذلك؟ قلت: نعم وأي خلّة. ثم صمت مليّا، ثم قال في وصف قومه: كانوا كالصخرة الصّلدة تنبو عن صفحتها المعاول، ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة ما لها من جابر، فأصبحوا شذر مذر أيادي سبا. وربّ يوم والله عارم قد أحسنوا تأديبه، ودهر غاشم قد قوّموا صعره، ومال صامت قد شتّتوا تألّفه، وخطة بوس قد حسمها أسوهم، وحرب عبوس ضاحكتها أسنّتهم. أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح، وشبّانهم مراجح، نائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح، وزمانهم ربيع، وجارهم منيع.
فنهضت لأنصرف فأخذ بمجامع ذيلي وقال: اجلس، فقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك. فقلت في نفسي: إنّا لله، سينشد في قيس وصمة تبقى على الدهر، فقلت: حسبي لا حاجة بي إلى ذكرك قومي، قال: بلى. هم والله هضبة ململمة العزّ أركانها، والمجد إحصانها، تمكنت في الحسب العدّ،