وقد يجرحه في الضبط، فيقول مثلاً: روى حديث كذا، وتفرّد به، وهو منكر الحديث، فيأتي ابن عدي -مثلاً- فيقول: لم يتفرد به، بل تابعه فلان وفلان، فالحديث مقبول، ولا يدّل ذلك على جرح هذا الراوي. مع أننا لو لم نقف على هذه المتابعات، ولا على مثل هذا الدفاع، فالأصل أن يكون هذا الجرح مقبولاً. ثم إن الردّ والدفاع لا بد أن يكون في محله، فإذا لم يكن في محله، فإنه لا يقبل.
2) تقديم الجرح المبهم -غير المفسر- على التعديل: هذا هو الأصل؛ لأن مع الجارح زيادة علم. ويتضح هذا بأنك لو قدمت قول الجارح على قول المُعدِّل، فكأنك تقول: أنا لاأكذب المُعدِّل، لكن الجارح ظهر له من أمر المُعدِّل مالا يعرفه المُعدِّل، وكلاً منهما أخبر بحسب علمه. لكن إذا قدمت قول المُعدِّل على قول الجارح، فهذا يقتضي تكذيب الجارح بأنه ليس هناك سببٌ يقتضي الجرح، ولم يصدق الجارح في جرحه، أو أقل أحواله أنه مخطئ، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الأصل حمل كلام العلماء على الأصوب، ومن أجل ذلك نقدّم الجرح المبهم على التعديل. ثم إنه ينبغي أن نتذكر أن كلامنا عن الجارح والمُعدِّل العارف بأسباب الجرح والتعديل، فالأصل فيه أن يجرح بسبب حقيقي.
ما سبق هو الحكم الأصلي، ونخرج عنه بقرائن، وهي كثيرة جداً، من أمثلتها:
أ) كثرة المُعدّلين: فإذا وثقه جماعة، وضعفه واحد بجارحٍ مبهم، فنقدم قول الأكثرين، ونحمل التضعيف على أنه ليس بجارح حقيقي.
ب) معاصرة المُعدّلين، وعدم معاصرة الجارح أو الجارحين؛ لأن المعاصر أعرف وأعلم بمن في عصره، فتعديله يُقدم على الجرح المبهم.
جـ) عِظَمُ علمِ المُعدّلين على علم الجارحين.