وهنا أمر آخر يدّل على أنه قد يحصل نوع من التوسع، أن الصحيح في أول من استخدم "الحسن" بالمعنى الاصطلاحي هو الإمام الترمذي، بل حتى استخدام الترمذي للحسن بالمعنى الاصطلاحي يحتاج إلى مزيد دراسة وبحث وتثبت من مُراد الترمذي بالحسن، الذي عرّفه في كتابه (العلل الصغير) ، إلا أن العلماء اختلفوا في تفسير تعريفه، وهنا يُلاحظ مدى بعدنا عن فهم كلام الأئمة المتقدمين، فهذا إمام عرّف المصطلح، ومع ذلك اختلف العلماء في فهم التعريف، فكيف بالمصطلحات التي لم تُعرّف أصلاً. فالمقصود أنه اختلف العلماء في تفسير الحديث الحسن، ولازال الاختلاف قائماً، وتجد تفسير ابن رجب مخالفٌ لتفسير ابن حجر، ومخالفٌ أيضاً للتفسير الذي ذكره ابن كثير، ومخالفٌ أيضاً للتفسير الذي ذكره الذهبي، حتى قال الذهبي في (الموقظة) : "أنا على إياسٍ أن أحدُّ تعريفاً مكتملاً للحديث الحسن". الذي يهمنا هنا أن أول من استخدم الحسن بالمعنى الاصطلاحي هو الترمذي -على الصحيح-، وكل الذين جاء عنهم أنهم استخدموا لفظ الحديث الحسن، كشعبة والشافعي والبخاري، فقد استخدموه بالمعنى اللغوي، وقد نصّ الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت) ، على أن استخدام الشافعي للفظ الحسن هو بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه استعرض الأحاديث التي وصفها الشافعي بأنها حسان، فوجد بعضها في الصحيحين، ولم يقصد الشافعي أنها مرتبة وسطى، فبيّن أن مقصوده بالحُسْن هو الحسن اللغوي، أي أنه يريد أن يبيّن أنها مقبولة.
يتضح مما سبق أن العلماء حينما يقولون: ثقة، وصدوق، وما أشبهه، لم يكن عندهم شئ اسمه "حديث حسن" حتى يخصونه بمراتب خاصة بالتعديل، فإذا قال شعبة -مثلاً-:"فلان حسن الحديث"، فلا يصح أن أحمله على مرتبة الحديث الحسن؛ لأنه لم يكن عنده مرتبة وسطى بين الصحيح والضعيف،وهي مرتبة الحديث الحسن.