قد يختلف العلماء في الرواة من حيث ترتيبهم في مراتب التدليس وقبول عنعنتهم، بل قد يختلف رأي الإمام الواحد، وليس بصحيح أن نأخذ بالقول المتأخر، فقد يكون الأول هو الصواب ولا يكون المتأخر هو الصواب.
وأيضاً قد نجد تطبيقات العلماء مخالفة للمرتبة المذكورة لهذا الراوي في أحد هذه الكتب، فمثلاً العلماء متفقون على قبول عنعنة الزهري، ومنهم الحافظ ابن حجر نفسه، لكن نجد أن الحافظ ذكر الزهري في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين، التي رجح بأن عنعنة أصحابها تُردّ، فهذا دليل على خطأ اجتهاد ابن حجر في عنعنة الزهري ومجانبته للصواب في ترتيبه. ثم إن لأهل العلم مناهج وأقوال مختلفة في قبول رواية المدلس، فيجب على طالب العلم أن يراعي هذه الأقوال؛ لأنها ليست مُطْرحة كما يظنُّ بعض طلبة العلم، وبعضهم يتعامل مع رواية المدلس بعمل آلي فإن صرّح بالسماع قبل روايته، وإن لم يصرح بالسماع نظر في مراتب المدلسين، وحكم على الرواية من خلال مرتبة المدلس من حيث القبول والرد، وهذا التعامل الآلي خطأ، فهناك مناهج مختلفة حتى مع الراوي المُكثر من التدليس فقد يقبل العلماءُ عنعنته في حدود معينة وبشروط محددة.
وقبل مراجعة كتب الجرح والتعديل؛ لمعرفة مرتبة الراوي فيها وأقوال أهل العلم فيه، يجب على طالب العلم أن يُتقن بابين من أبواب مصطلح الحديث تتعلق بهذا الأمر:
الباب الأول: باب معرفة مَنْ تقبل روايته ومَنْ تُردّ.
الباب الثاني: باب مراتب الجرح والتعديل.
فلا بد من إتقان وضبط هذين البابين؛ لأن العلماء قد يختلفون في الجرح والتعديل. فبدراسة هذين البابين أستطيع التعامل مع هذا الخلاف، وترجيح الصحيح.