أما إذا وُصِفَ بالتدليس، فأنظر -أولاً-: ماهو نوع تدليسه الذي وصف به؟ فإن كان تدليسه تدليس شيوخ أو تدليس بلدان، فلا يؤثر ذلك على قبول عنعنته؛ لأن تدليس الشيوخ لا علاقة له بصيغ الأداء وإنما هو تعمية اسم الراوي أو كنيته أو لقبه، وذكره بغير ما يعرف به، فإذا كان ذلك فعلينا أن نعيّن الراوي فقط، فإذا عرفناه حكمنا عليه بما يلزم، وإذا لم نعرفه نتوقف في الحكم على الحديث؛ لأن هذا الراوي أشبه عندنا المجهول الذي لا نستطيع أن نحكم على حديثه لا بصحة ولا بضعف.
وإن كان تدليسه تدليس رواية الراوي عمّن سمع منه ما لم يسمعه، فهنا نقف مع الراوي وقفات متعددة، أولاً: ننظر هل ذُكر في مراتب المدلسين في مرتبة من تُقبل عنعنته أم مَنْ تُرَدُّ عنعنته. وكتب مراتب المدلسين يأتي في مقدمتها كتاب (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس) للحافظ ابن حجر، حيث رتب فيه المدلسين على خمسة طبقات، الأولى والثانية تُقبل عنعنتهم، والثالثة يُرجح الحافظ بأنها تُرد عنعنتهم، والرابعة يجزم بردّ عنعنتهم، والخامسة حديثهم ضعيف سواءً صرحوا بالسماع أم لم يصرّحوا.
ومن الكتب التي خدمت هذه الناحية كتاب العلائي (جامع التحصيل) ، فقد رتب في مقدمة هذا الكتاب نماذج من المدلسين على طبقات يبيّن فيها من تُقبل عنعنته ومن لا تقبل، وفعل هذا الفعل نفسه الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت على ابن الصلاح) ، ولا يغني كتابه السابق عن أحكامه في النكت؛ لأنه ربما تغيّر اجتهاد الحافظ ابن حجر فيذكر راوٍ في طبقة معينة ثم يجعله في النكت في طبقة أخرى، والظاهر أن كتاب (النكت) آخر الكتابين، فتنظر على ماذا استقر رأي الحافظ في هذا الراوي، فإن اختلفت آراؤه ترجح بالمرجحات الأخرى.