واختلف الناس بعد ذلك، هل الاستثناء [حقيقة] أم لا؟ واختلف فيه قول القاضي، والظاهر من كلام أهل العربية أنه استثناء حقيقة، بل لا وجه فيه إلا الاستثناء. وقد تقدم أن جانب النظر باطل فيه. وأما حقيقة الشيء، فيجوز أن يكون المراد به ههنا انعطاف الكلام على خلاف جهته، من نفي إثبات، أو من إثبات إلى نفي، فيسمى ذلك استثناء، وإن لم يكن فيه حقيقة الإخراج.

فإن قيل: فينبغي إذا نطق الإنسان بجملة إثباتية أو سلبية، ثم نطق بضها، أن يكون مستثنيا، وليس الأمر كذلك. قلنا: قد بينا أن الاستثناء يعد جزءا من الكلام الأول، ولا يقدر جملة مستقلة بحال، فإذا جيء به على الجملة [الثانية]، لم يكن استثناء، إذ خرج عن كونه جزءا. هذا هو الظاهر.

وأما إذا قال: عندي ألف درهم إلا ثوبا، فالظاهر ما قاله أبو حنيفة، إذ الاستثناء من غير الجنس غير [منقض] للكلام الأول، فبقي على ما كان عليه. وإذا قال الشافعي: يقبل ذلك، وينقص من المقر به مقدار القيمة، فهذا عدول عن الظاهر بالكلية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015