أن المعتزلة ينقسم القبيح عندهم إلى قبيح مطلقا، وإلى قبيح مشروط. والمشروط عندهم هو الألم. وإنما حملهم على ذلك ما قررناه من الوجهين السابقين. فلما صادفوا الله تعالى يؤلم، مع استحالة فعل القبيح منه، تعذر عليهم القضاء بالتعميم، ولم يصادفوا في قول الله تعالى كذبا، فعمموا التقبيح.
هذا هو سبب الفرق عند القوم. ونحن نساعد على استحالة الكذب على الله تعالى، وليس ذلك لما اعتقدوه من التقبيح، وإنما ذلك لاستحالة الكذب في كلام النفس على من يستحيل عليه الجهل. على ما يأتي بيانه، إن شاء الله تعالى. وإذا كان الألم إنما حسن في بعض الأحوال، لترتب المنافع المبرة عليه، تصور مثل ذلك في الكذب الذي ينجي الأمم من الأنبياء والأولياء والمسلمين، والإلزام صحيح.
وقد أجاب بعض الناس بأن قال: يتصور الإنجاء من الله تعالى من غير حاجة إلى الكذب، بصرف الظالم ومنعه، فلا حاجة تدعو إلى الكذب. قلنا: وهذا بعينه مطرد في الألم، فإن الله سبحانه قادر على أن ينعم عباده بلا ضرر سابق، فإن الثواب تفضل من الله تعالى، كيف وهو لا يتصور أن يستفيد