وسننبه على لطيفة في العربية في هذا المكان، وذلك أنه لما تقدم في هذا الموضع الجملة الفعلية، وجهات هذه الحروف الصالحة للعطف، ولم يقصد الناطق العطف، تحول الكلام إلى الاسم، فلو بقى إعراب الثانية على حسب إعراب الأولى، لفهم العطف، فأرادت العرب إزالة اللبس بنصب الفعل الثاني، ليعلم أنه لم يقصد عطفا. وإنما يصير الكلام إلى الاسم عند وجدان الفعل، إذا رد إلى المصدر، وإنما يكون كذلك، إذا قدرت فيه (أن)، فيكون الفعل معها مقدرا بتأويل المصدر، فنصبوا لها الغرض.
ولكن يبقى في هذا نظر، وهو عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية، وهو أيضا رديء، فيفتقر إلى تأويل الجملة الأولى. قال سيبويه: (لقولك: ما تأتينا فتحدثنا، معنيان:
أحدهما- ما تأتينا، فكيف (40/أ) تحدثنا؟ أي لو أتيتنا لحدثتنا.
والآخر- ما تأتينا أبدا إلا لم تحدثنا، أي منك إتيان كثير، ولا حديث [معه]). فانظر كيف رد الجملتين جميعا إلى المصدر. وطريقه ما قررناه، ووجه الحاجة إليه ما بيناه.
ويمتنع إظهار (أن) مع كل هذه الأحرف إلا (اللام) إذا كانت لام (كي)، فإن الإضمار واجب تارة، وجائز تارة، وممتنع تارة. فأما الموضع الذي يجب فيه الإضمار، فإنه إذا كان الذي تدخل عليه [داخلة عليه] (لا)