هذا المثال، واضح أيضًا، والتقدير فيه كما ذكره. والذي حمل أبا حنيفة على تخيله، أن البينة إنما تقام على المنكر، قال - عليه السلام -: "البينة على المدعي". وأما المقر، فلا تقام البينة عليه. وإذا أقر، فليس هذا موضع إقامة البينة. ومذهبه أنه لا يقام الحد في الزنا إلا بالإقرار أربع مرات. فالإقرار الواحد أبطل إقامة البينة، ولم يقم الحد، انتظارًا لبقية الإقرار. وهذا وجه مذهبه على الجملة.
ونحن نقول: إنما لم تقم على المقر بينة، لأجل الاستغناء عنها، وعدم الحاجة إليها. ولو أقر من يمتنع إقراره بإتلاف أو غيره، لم نستغن عن إقامة البينة، كإقرار المحجور عليه، والعبد، والمديان عند التفليس. فإذًا هذا الإقرار، لا ينفع عنده في إقامة الحد، فيصح إقامة البينة.
فهذا وجه الرد عليه. ولكن لا يبلغ عندي هذا المثال في الظهور والقطع ببطلان مذهب الخصم مبلغ المثال الأول. وجهة الفرق أن المثال الأول، الأمر فيه [ينبني] على محض المعنى، ولم يتصور فيه تعبدًا أصلًا. وقد ظهر في هذا المثال الالتفات إلى التعبدات في غير موضع: