فنقول: بم أنكرتم على من يقول الحق دقيق غامض، لا يدركه إلا الأقلون، ويعجز عنه الأكثرون، لأنه يحتاج إلى شروط [كثيرة] من الممارسة والتفرغ للنظر، واتقاد القريحة، والخلو عن الشواغل. ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان محقًا، وكان في أول [أمره] منفردًا بدينه عن بقية الخلق. فلو استدل مستدل على بطلان قوله بانفراده بدينه، هل كان مصيبًا في استدلاله؟ وقد قال الله تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا". وقال: "وهم يومئذ الأقلون".

[فإن قيل: ] [فقد] قال - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالسواد الأعظم". "ومن سره أن يسكن بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد". قلنا أولًا: وبم عرفتم صحة هذه الأخبار، وليست متواترة؟ فإن كانت عن تقليد، فبم تنكرون على من يعتقد بطلانها؟ ثم إن صح ذلك، فالمراد بهذه الأخبار: اتباع أهل الإجماع، أو النهي عن الخروج على الأئمة الصالحين، أو الحث على طلب الرفيق في الطريق، وليس (130/ أ) يرجع هذا إلى التقليد. فإن صح أن المراد اتباع الأكثر، فليس هذا تقليدًا، بل هو اتباع قول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015