القسم الرابع: القواعد المبتدأة العديمة النظير، لا يقاس عليها، مع أنه يعقل معناها، لأنه لا يجود ما يشابهها، خارج عن [النص] والإجماع، والمانع من القياس، [عدم] العلة [في غير] المنصوص، فكأنه معلل بعلة قاصرة.
ومثاله: رخص السفر، والمسح على الخفين، ورخصة المضطر في أكل الميتة، وضرب الدية على العاقلة، وتعلق الأرش برقبة العبد، وإيجاب غرة الجنين، والشفعة في العقار، وخاصية الإجارة والنكاح، وحكم اللعان، والقسامة ونظائرها. فإن هذه القواعد متباينة المآخذ، فلا يجوز أن يقال بعضها خارج عن قياس البعض، بل لكل واحدة مزية تنفرد بها، لا يوجد لها نظير. فليس البعض بأن يوضع أصلًا، ويجعل الآخر خارجًا عن قياسه، بأولى من عكسه. فلا ينظر فيه إلى كثرة العدد وقلته.
وتحقيقه أنا [نعلم] إنما جوز المسح على الخفين، للحاجة إلى اللبس وعسر النزع، ومسيس الحاجة إلى استصحابه، فلا نقيس عليه العمامة والقفازين، وما لا يستر جميع القدم، لا لأنه خارج عن القياس، ولكن لأنه لا يوجد ما يساويه في الحاجة وعسر النزع (62/ أ)، وعموم الوقوع. وكذلك رخص السفر، فإنا لا نشك في ثبوتها للمشقة، فلا نقيس عليها مشقة أخرى، لأنه لا يشاركها غيرها في جملة معانيها ومصالحها، لأن المرض لا يحوج إلى القصر، بل إلى الجمع، وإسقاط المشقة من القيام وغيره إن مست الضرورة