وبيانه: (76/ ب) هو أن النفي المسبوق بإثباتٍ]، يرجع إلى أن أدلة الإثبات متقاصرة عن الدلالة في حالةٍ من [الحالات]، فتبقى تلك الحالة على ما قبل ورود الشرع.
[ومثاله: أن الخمر كان تحريمها منتفيا قبل ورود الشرع]، فلما جاءت الشريعة، أثبتت التحريم مخصوصًا بحالة الاختيار، فبقي (58/ ب) شربها [عند] الاضطرار على ما كان عليه قبل ورود الشرع. وهذا نفي مسبوق بإثبات. [فإذا] لم يصرح الشرع في حالة الاضطرار بجواز الشرب وإباحته قبل، وقع الاقتصار على نفي التحريم. وإذا تقيدت أدلة التحريم بحالة عدم الاضطرار، فليس لها تناول لهذه الحالة على حال. فلا حكم عند الاضطرار بحال.
فإذا ثبت ذلك، امتنع أن يتلقى هذا النفي من قياس العلة لأمرين:
أحدهما- أن النفي لا مقتضى له.
الثاني- أن العلة إنما كانت علة بنصب الشارع إياها، والمعلول لا يتقدم على العلة. وقد كان نفي الحكم معقولًا قبل ورود الشريعة. هذا بعد ما استقر عندنا أن الحكم: خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين. نعم، لا يمتنع أن يجري في ذلك قياس الدلالة، فإن الأدلة لا اقتضاء فيها، ولا يمتنع أن تتقدم مدلولاتها عليها.