وأما الجواز العقلي، فلا يشترط فيه ذلك. ولا يحيل العقل أن يجعل الله تعالى الحكم على كل مجتهد ما غلب على ظنه. ويتحقق ما قلناه بفرض الكلام في طرفين: أحدهما- في الجواز العقلي، والثاني- في الوقوع السمعي.
أما الجواز العقلي: فإنه يجوز [عندنا] أن يجعل الله تعالى في مسالة حكمًا معينًا يطلبه العلماء، فقد يصادفونه أجمعين، وقد يصادفه بعضهم، وقد يجوز أن يخطئه الجميع، لولا عصمة الله هذه الأمة.
وكيف ينكر ذلك من جهة العقل، والمسألة القطعية وجدت في الشرع [على] هذه الصفة، [والأحكام] ثابتة معينة، والخلق مأمورون بالطلب؟ ولم تجعل الأحكام فيها تابعة للمعتقدات أصلًا، بل الحكم ثابت، فقد يصادفه المعتقد، [وقد لا] يصادفه، [فيجوز] من الله [سبحانه] وتعالى أن يجعل الأحكام كلها على هذه الصفة، ولم يبق الفرق باعتبار ذات الحكم [ووصفه] [وتعيينه]، وإنما يرجع الفرق إلى نصب الدليل القاطع وعدم نصبه. وقد قررنا فيما تقدم أن الصحيح عندنا من جهة العقل، تجويز التكليف مع فقدان الدليل. وإنما توقف التكليف على نصب الأدلة من فضل الله [- عز وجل -] على عباده رحمة [بهم]. قال الله تعالى: {وما كنا معذبين حتى