وإذا تقرر ذلك، وهو إثبات [دلالة] زائدة للألفاظ في الشرع، لم تكن ثابتة عند أهل اللسان، بطل بذلك وجه السؤال، لأنهم اعتقدوا استواء دلالة الألفاظ لغة وشرعًا، وليس الأمر كذلك. لكن الشأن كله في إثبات هذه الجهة الزائدة من الدلالة. ونحن بعون الله بعد هذا الكلام نستفتح الدليل على [إثباتها]. وهذا كلام حسن بالغ في الحسن، فلينتبه له.
وقد ذهب بعض القدرية إلى إجراء القياس في المنهيات دون المأمورات، فقالوا: إذا علل الشارع وجوب فعل بعلة، فلا يقاس عليه غيره، إلا بورود التعبد بالقياس. وإن علل ترك فعل بعلة، لزم تركه، كلما توجد العلة فيه. قالوا: فمن ترك العسل لحلاوته، [لابد] أن يترك كل حلو، ومن ترك الخمر لإسكارها، لزمه ترك كل مسكر، ومن أكل طعامًا لحلاوته، لم يلزمه أن يأكل كل حلو. ومن صلى [صلاة] لأنها عبادة، لا يلزمه أن يأتي بكل عبادة. وبنوا على هذا أن التوبة لا تصح من بعض الذنوب، بل من ترك ذنبًا لكونه معصية، يلزمه ترك كل ذنب. أما من أتى بطاعة، فلا يلزمه أن يأتي بكل طاعة.
وهذا باطل في [الطرفين]، لأنه لا يبعد في جانب [الترك] أن تحرم الخمر لخاصية يعلمها [الله عز وجل]، لا نطلع نحن عليها، والله تعالى مستأثر بها. وأما في جانب الفعل [فمن] أكل طعامًا لمحبته، ولفرط شهوته، [فإنه لا يفرق بينه وبين مثله. نعم، لا يأتي أن يأكل جميع ما يشاكله، لذهاب