الثاني - أنه إن قال ذلك، قلنا له: أنت غير قاطع بخطأ المستند، بل توهمت بطلانه، وليس بباطل.
الشبهة الثانية: قالوا: لا حجر على المجتهد إذا تغير اجتهاده في الرجوع. (170/ب) وإذا جاز له الرجوع، دل على أن الإجماع لم يتم. قلنا: هذا صحيح، لو كان منفردا باجتهاده، أما اجتهاد توافقه الأمة عليه، فلا يجوز له أن يرجع عنه، كالنص الذي يحرم الرجوع عنه إلى الاجتهاد. فإن الإجماع حجة قاطعة، فلا يبقى للاجتهاد في مخالفتهم مجال.
الشبهة الثالثة: أنهم قالوا: لو مات المخالف، لم تصر المسألة إجماعية، وإن كان الباقون كل الأمة، لكنهم في بعض العصر، دل ذلك على أنه لابد من اعتبار انقراض العصر في تحقيق الإجماع. وهذا غير صحيح، وليس السبب بقاء بعض، لكن السبب الصحيح أنهم ليسوا كل الأمة، بالإضافة إلى تلك التي أفتى فيها من مات بعد أن أفتى، فإنا سنبين أن المذاهب لا تموت بموت أربابها. فالباقون بعض الأمة، [ومخالفته] مسوغة، فلذلك لا يصير مذهب المخالف مهجورًا.
وقد قال قوم: يبطل مذهبه بموته، والباقون بعده كل الأمة، وتحرم مخالفتهم. وهذا غير صحيح، لما سنقرره. [فإنهم] كانوا كل الأمة في غير تلك المسألة التي خالف فيها من قد مات.