أن الرسول - عليه السلام - أراد تعظيم هذه الأمة وعصمتها وإثبات هذه الفضيلة لها، بحيث لا نجد من أنفسنا ريبا، كما لا نجده في تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وتقديره إياهم، وحثه على حبهم وإكرامهم. وكذلك أيضًا نعلم ميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عائشة ومحبته إياها، بمجموع أخبار نقلت آحادا، أفاد مجموعها العلم.
هذا تقرير هذا الطريق. وهو عندي لا يقوى، وحاصله راجع إلى إثبات الحكم من غير دليل عليه، فإن الشيء إذا علم ضرورة، استحال الاستدلال فيه، وكيف ينفع هذا الطريق مع الخصم المنكر؟ لاسيما المنازعون، والذين أنكروا الإجماع عدد كثير لا ينقصون عن عدد التواتر. فدعوى العلم الضروري في الباب بعيد عن التحقيق، وغير منتفع به مع الخصوم. فلا وجه للتمسك بذلك.
الطريق الثاني لهم: وهو الوجه الاستدلالي: قالوا: وتقريره من وجهين:
أحدهما - أن هذه الأخبار لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين يتمسكون بها في إثبات الإجماع، ولا يظهر أحد فيها خلافا إلى زمان النظام، ويستحيل في مستقر العادة توافق الأمم في أعصار كثيرة على التسليم لما لم تقم الحجة بصحته، مع اختلاف الطباع وتفاوت المذاهب في الرد والقبول، ولذلك لم ينفك حكم ثبت بأخبار الآحاد عن خلاف مخالف أو إبداء تردد فيه.
الوجه الثاني - أن المحتجين بهذه الأخبار أثبتوا بها أصلا مقطوعا به، وهو الإجماع الذي يحكم به على كتاب الله تعالى وعلى السنة المتواترة،