وهذا غريب أن يحكم بالعقل في موضع لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح. وإنما احتيج إلى فرض المسألة فيما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح، لأن القوم متفقون على أن ما أدرك العقل حسنه، فليس بمحظور. وما أدرك العقل بقبحه فليس مباح. فلذلك كانت المسألة مفروضة فيما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا بقبح. ولذلك ورد الإشكال وظهر التناقض ظاهرا.
ولكن مراد القوم بهذا القسم الذي زعموا أنه يتلقى من الشارع، على حسب ما تقدم بيانه. هذا موضع الاختلاف. ومعنى قولهم: فيما لا يقضي العقل بحسنه ولا بقبحه، أي بالنظر إلى صفات نفسه على الاختلاف السابق أيضا. فإن الذي تستقل العقول بدركه لا يتوقف على ورود الشرائع، بلا لا يتصور أن يتصرف الشارع فيه بنسخ أو نفي أو إثبات، ولا يتصور أن يتغير حكمه.
فهذا القسم خاصة إذا لم يرد الشرع بحكم فيه، تختلف مذاهبهم فيه.