فدبر الجهم خطة وبدأ بتعقيد القواعد الكليات لجحد الصفات، فهو لا يستطيع أن يأتي إلى الناس رأساً ويقول لهم: ليس لله يد، فجاء بألفاظ مجملة ونزه الله عنها، وجعل تنزيه الله عنها أصولاً كليةً عند هؤلاء، ثم توصل إلى إنكار الصفات من خلال ذلك, حيث جاء بلفظ الجسم والحيز والجهة, فقال مثلاً: هل الله جسم؟ فأخذ يقرر أن الله ليس بجسم ولا يوصف بالجسمية، فلما قرر ذلك ومكنه من نفوسهم أخذ يقرر فيهم ما يريد فقال: لو أثبتنا لله اليد أثبتنا له الجسمية ولو أثبتنا له الجسمية شبهناه بخلقه ومن ثم غرس فيهم تعطيل الصفات.
ولكن واجهته مشكلة وهي النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي تصادم تقريره، فدلهم على التحريف، وبهذا توصل الجهم إلى تقرير إنكار صفات الله لدى من استهوتهم شبهته واستفزهم ضلاله وباطله من ذوي الجهل وقلة البصيرة في الدين.
(اليمين) صفة ثابتة لله، فالله له يدان حقيقيتان، وفي رواة لمسلم إثبات يدين لله: يمين وشمال، ومن أهل العلم من صوب أن لفظ الشمال لم يثبت وإنما الثابت (الأخرى) بدل الشمال، وعلى كلٍ فهذه الرواية ليست معارضة لقوله صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يدي ربي يمين" 1؛ لأن أهل العلم وضحوا أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يدي ربي يمين" نفي توهم النقص؛ لأنه قد يتبادر إلى بعض الأذهان أن الشمال أو الأخرى أنقص من اليمين.