ابنه أو أباه لا يعلم من نفسه إلا ما يعلمه هو لكان كاذبا في يمينه فاجرا فيها، لأن كل فرد من الناس ينطوي على صفات وغرائز لا يحب أن يطلع عليها غيره ويكره على أن يقف على شيء منها سواه. ومن ذا الذي يدري ما يجول في خاطر غيره ويستكن في ضميره؟
ومن ادعى علم ذلك وأنه يعلم من غيره من بني آدم ما يعلمه ذلك الغير من نفسه ولا يعلم ذلك الغير من نفسه إلا ما يعلمه هذا المدعي فهو إما مصاب العقل يهذي بما لا يدري ويتكلم بما لا يفهم، أو كاذب شديد الكذب عظيم الافتراء. فإن هذا أمر لا يعلمه غير الله سُبْحَانَهُ فهو الذي يحول بين المرء وقلبه ويعلم ما توسوس به نفسه وما يسر عباده وما يعلنون، وما يظهرون وما يكتمون، كما أخبرنا بذلك في
كتابه العزيز في غير موضع. فقد خاب وخسر من أثبت لنفسه من العلم ما لا يعلمه إلا الله من عباده. فما ظنك بمن تجاوز هذا وتعداه وأقسم بالله سبحانه أن الله لا يعلم من نفسه إلا ما يعلمه هو؟ ولا يصح لنا أن نحمله على اختلال العقل، فلو كان مجنونا لم يكن رأسا يقتدي بقوله جماعات من أهل عصره ومن جاء بعده وينقلون كلامه في الدفاتر ويحكون عنه في مقامات الاختلاف.