ومعلوم - ولا ريب - أن الجن هم من بعض الخَلْق المكلّفين، فيدخلون في عموم رسالته صلى الله عليه وسلم، وقد أفاد الحديث أيضًا أنه ليس لأحد من إنس أو جن أو غيرهم ادعاء نبوة - أو رسالة من باب أولى - بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وهاك ثلاثة وجوه يرجح بها قول القائلين باختصاص الرسالة ببني آدم دون الجن:
الأول: ... كثرة الأدلة - وقد أوردت بعضها - ومن صريح ما استدلوا به قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ... } [يُوسُف: 109] ، قال القرطبي رحمه الله: أي أرسلنا رجالاً ليس فيهم امرأة ولا جني ولا مَلَك (?) . اهـ.
الثاني: ... أن المراد بقوله تعالى -، أي: من أحدكم (?) وقد بينه الإمام الشوكاني رحمه الله بقوله: هو من مجموع الجنسين، وصَدَقَ على أحدهما، وهم الإنس، كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ *} [الرحمن: 22] ، والمراد: من أحدهما. اهـ (?) .
الثالث: ... تضمُّن القرآن الكريم خطاباً للجن وتحدياً لهم وإعلاماً بمآلهم في الآخرة، وتوعُّداً لهم، فأما إفرادهم بالخطاب ففي قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِْنْسِ} [الأنعام: 128] ، وأما اقتران الخطاب بالإنس ففي قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ