سائر الشرائع بالعموم والشمول. قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي". ومنها (كان كل نبي يبعث في قومه خاصة "وبعثت إلى الأحمر والأسود" (?).
واحتفظ جلَّ شأنه بحق التشريع لنفسه، وأمر عباده بالاحتكام إلى ما نزَّل قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (?). وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (?) وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (?) وقال تعالي: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (?) وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (?) وما ذلك إلَّا لعلم اللُه سبحانه وتعالى بالإنسان، وما أودع فيه من غرائز، كحب النفس وحب المال
والبنين وإيثار الحياة الدنيا، وما ركب فيه من شهواتٍ، كشهوة البطن والفرج وحب الظهور وحب الاستطلاع، فيعلم ما يكنه صدره وما توسوس به نفسه.
زد على ذلك أن العلم الذي منحه إياه علم محدود، والعقل الذي وهبه إياه له مجال لا يتخطاه، فتحقيق هذه الغرائز والرغبات والمصالح المختلفة معوقات عن كون الإنسان أهلاً للتشريع.
وما عليه البشرية اليوم من الحيرة وعدم استقرار النفوس وكدر العيش والقلق المستمر، والعداوة والبغضاء والتقاطع بين الأرحام والتهارش على هذه الدنيا، إنما سببه الاحتكام إلى شريعة وضعها البشر لا يكاد يستقر لها قرار، ولا يثبت لها حال، فكل يوم مرسوم يعدل ما مضى ونظام ينسخ ما سلف وسرعان ما ينقض الجديد بالأجد. ولعلَّ هذا التبديل والتغيير يكون لمصلحة أفرادٍ معدودين، حتى إذا حصلت لهم المصلحة استبدل بنظام آخر وهلم جراً. قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (?).