الِاسْتِعْمَالُ الْفَصِيحُ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ، فَنَحْمِلُ الِاسْمَ فِي قَوْلِهِ: اسْمُهُ أَحْمَدُ على مَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ، أَيْ مُسَمَّاهُ أَحْمَدُ، وَذِكْرُهُ أَحْمَدَ، وَعَلَمُهُ أَحْمَدُ، وَلْنَحْمِلْ لَفْظَ أَحْمَدَ عَلَى مَا لَا يَأْبَاهُ وَاحِدٌ مِنَ اسْتِعْمَالَاتِ اسْمِ الثَّلَاثَةِ إِذَا قُرِنَ بِهِ وَهُوَ أَنَّ أَحْمَدَ اسْمُ تَفْضِيلٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَسْلُوبَ الْمُفَاضَلَةِ مَعْنِيًّا بِهِ الْقُوَّةُ فِيمَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، أَيِ الْحَمْدِ وَهُوَ الثَّنَاءُ، فَيَكُونُ أَحْمَدُ هُنَا مُسْتَعْمَلًا فِي قُوَّةِ مَفْعُولِيَّةِ الْحَمْدِ، أَيْ حَمْدِ النَّاسِ إِيَّاهُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ. «الْعُودُ أَحْمَدُ» ، أَيْ مَحْمُودٌ كَثِيرًا.
فَالْوَصْفُ بِ أَحْمَدُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِي اسْمٍ أَنَّ مُسَمَّى هَذَا الرَّسُولَ وَنَفْسُهُ مَوْصُوفَةٌ بِأَقْوَى مَا يَحْمَدُ عَلَيْهِ مَحْمُودٌ فَيَشْمَلُ ذَلِكَ جَمِيعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالْخُلُقِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ وَالنَّسَبِيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الكمالات الذاتية والعرضية.
وَيَصِحُّ اعْتِبَارُ أَحْمَدُ تَفْضِيلًا حَقِيقِيًّا فِي كَلَامِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَيْ مُسَمَّاهُ أَحْمَدُ مِنِّي، أَيْ أَفْضَلُ، أَيْ فِي رِسَالَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ. وَعِبَارَاتُ الْإِنْجِيلِ تُشْعِرُ بِهَذَا التَّفْضِيلِ، فَفِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا فِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعَ عَشَرَ «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْأَبِ (أَيْ مِنْ رَبِّنَا) فَيُعْطِيَكُمْ
(فَارْقَلِيطَ) آخَرَ لِيَثْبُتَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَالِمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْفَارْقَلِيطُ الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الْأَب (الله) باسمي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» ، أَيْ فِي جُمْلَةِ مَا يُعَلِّمُكُمْ أَنْ يُذَكِّرَكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَهَذَا يُفِيدُ تَفْضِيلُهُ عَلَى عِيسَى بفضيلة دوَام شَرِيعَة الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِقَوْلِ الْإِنْجِيلِ «لِيَثْبُتَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ» وَبِفَضِيلَةِ عُمُومِ شَرْعِهِ لِلْأَحْكَامِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «يُعَلِّمَكُمْ كُلَّ شَيْءٍ» .
وَالْوَصْفُ بِ أَحْمَدُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فِي الِاسْمِ. أَنَّ سُمْعَتَهُ وَذِكْرَهُ فِي جِيلِهِ وَالْأَجْيَالِ بَعْدَهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ أَشَدُّ ذِكْرٍ مَحْمُودٍ وَسُمْعَةٍ مَحْمُودَةٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ
فِي الْحَدِيثِ «أَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ مَقَامًا مَحْمُودًا.
وَوَصْفُ أَحْمَدُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ فِي الِاسْمِ رَمْزٌ إِلَى أَنَّهُ اسْمُهُ الْعَلَمُ يَكُونُ بِمَعْنَى: أَحْمَدَ، فَإِنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ اسْمٌ مَفْعُولٍ مِنْ حَمَّدَ الْمُضَاعَفِ الدَّالِ عَلَى