فِيهَا حَشْرُ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ دِيَارِهِمْ أَيْ مِنْ قَرْيَتِهِمُ الْمُسَمَّاةِ الزُّهْرَةِ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ. فَخَرَجُوا إِلَى بِلَادِ الشَّامِ إِلَى أَرِيحَا وَأَذْرُعَاتٍ، وَبَعْضُ بُيُوتِهِمْ خَرَجُوا إِلَى خَيْبَرَ، وَبَعْضُ بُيُوتِهِمْ خَرجُوا إِلَى الحيوة.
وَأَمَّا وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا «سُورَةَ بَنِي النَّضِيرِ» فَلِأَنَّ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ ذُكِرَتْ فِيهَا.
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَهِيَ الثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ فِي عِدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.
نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ سُورَةِ النَّصْرِ.
وَكَانَ نُزُولُهَا عَقِبَ إِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ بِلَادِهِمْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَعَدَدُ آيِهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ بِاتِّفَاق العادّين.
وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ بَنِي النَّضِيرِ وَلَمْ يُعَيِّنُوا مَا هُوَ الْغَرَضُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ. وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْهَا حُكْمُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ الِانْتِصَارِ عَلَيْهِمْ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْأُولَى مِنْهَا.
وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَنَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ دَالٌّ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ، وَكَون مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُلْكُهُ، وَأَنَّهُ الْغَالِبُ الْمُدَبِّرُ.
وَعَلَى ذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَسَّرَ مِنْ إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَنَعَةِ وَالْحُصُونِ وَالْعُدَّةِ. وَتِلْكَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ تَأْيِيدِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَلَبَتِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ.
وَذِكْرِ مَا أَجْرَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ إِتْلَافِ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَأَحْكَامِ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَعْيِينِ مُسْتَحِقِّيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَعْظِيمِ شَأْنِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ يَجِيئُونَ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَكَشْفِ دَخَائِلِ الْمُنَافِقِينَ وَمَوَاعِيدِهِمْ لِبَنِي النَّضِيرِ أَنْ يَنْصُرُوهُمْ وَكَيْفَ كَذَبُوا وَعْدَهُمْ.