حَتَّى كَأَنَّ رِيَاضَ الْقُفِّ أَلْبَسَهَا ... مِنْ وَشْيِ عَبْقَرٍ تَجْلِيلٌ وَتَنْجِيدُ
فَوَصْفُهَا فِي الْآيَةِ بِأَنَّهَا خُضْرٍ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِاسْتِحْضَارِ اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ لِأَنَّهُ يَسُرُّ النَّاظِرَ.
وَكَانَتِ الثِّيَابُ الْخُضْرُ عَزِيزَةٌ وَهِيَ لِبَاسُ الْمُلُوكِ وَالْكُبَرَاءِ، قَالَ النَّابِغَةُ:
يَصُونُونَ أَجْسَادًا قَدِيمًا نَعِيمُهَا ... بِخَالِصَةِ الْأَرْدَانِ خُضْرِ الْمَنَاكِبِ
وَكَانَت الثِّيَاب المصبوغة بِالْأَلْوَانِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا يزيلها الْغسْل نادرة لِقِلَّةِ الْأَصْبَاغِ الثَّابِتَةِ وَلَا تَكَادُ تَعْدُو الْأَخْضَرَ وَالْأَحْمَرَ وَيُسَمَّى الْأُرْجُوَانِيَّ.
وَأَمَّا الْمُتَدَاوَلُ مِنْ أَصْبَاغِ الثِّيَابِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ مَا صُبِغَ بِالْوَرَسِ وَالزَّعْفَرَانِ فَيَكُونُ أَصْفَرَ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَوْنُهُ لَوْنُ مَا يُنْسَجُ مِنْهُ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ مِنْ وَبَرٍ أَوْ مِنْ كَتَّانٍ أَبْيَضَ أَوْ كَانَ مِنْ شِعْرِ الْمَعِزِ الْأَسْوَدِ.
وحِسانٍ: جَمْعُ حَسْنَاءُ وَهُوَ صِفَةٌ لِ رَفْرَفٍ إِذْ هُوَ اسْمُ جَمْعٍ.
وَعَبْقَرِيٍّ: وَصْفٌ لِمَا كَانَ فَائِقًا فِي صِنْفِهِ عَزِيزَ الْوُجُودِ وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى عَبْقَرٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتَحَ اسْمَ بِلَادِ الْجِنِّ فِي مُعْتَقَدِ الْعَرَبِ فَنَسَبُوا إِلَيْهِ كُلَّ مَا تَجَاوَزَ الْعَادَةَ فِي الْإِتْقَانِ وَالْحُسْنِ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَعْرُوفَةِ فِي أَرْضِ الْبَشَرِ، قَالَ زُهَيْرٌ:
بِخَيْلٍ عَلَيْهَا جِنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ ... جَدِيرُونَ يَوْمًا أَنْ يَنَالُوا وَيَسْتَعْلُوا
فَشَاعَ ذَلِكَ فَصَارَ الْعَبْقَرِيُّ وَصْفًا لِلْفَائِقِ فِي صِنْفِهِ كَمَا
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَكَاهُ مِنْ رُؤْيَا الْقَلِيبِ الَّذِي اسْتَسْقَى مِنْهُ «ثُمَّ أَخَذَهَا (أَيِ الذُّنُوبِ) عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ»
. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمَعَرِّيُّ بِقَوْلِهِ:
وَقَدْ كَانَ أَرْبَابُ الْفَصَاحَةِ كُلَّمَا ... رَأَوْا حُسْنًا عَدُّوهُ مِنْ صَنْعَةِ الْجِنِّ
فَضَرَبَهُ الْقُرْآنُ مَثَلًا لِمَا هُوَ مَأْلُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي إِطْلَاقه.