وَجُمْلَةُ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ مُعْتَرِضَةٌ، وَهِيَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ عَنْ جُمْلَةِ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ بِاعْتِبَارِ مَا مَعَهَا مِنَ الْحَالِ، أَيْ إِنْعَامًا لِأَجْلِ أَنَّهُ شَكَرَ، فَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّ إِهْلَاكَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِإِنْذَارِ الْمُشْرِكِينَ وَبِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي قَوْلِهِ: مِنْ عِنْدِنا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ هَذِهِ النِّعْمَةِ لِأَنَّ ظَرْفَ (عِنْدَ) يَدُلُّ عَلَى الِادِّخَارِ وَالِاسْتِئْثَارِ مِثْلُ (لَدُنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ لَدُنَّا. فَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: نِعْمَةٌ مِنَّا أَو أنعمنا.
[36]
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً [الْقَمَر: 34] .
وَتَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ يُقْصَدُ مِنْهُ تَأْكِيدُ الْغَرَضِ الَّذِي سِيقَتِ الْقِصَّةُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ مَوْعِظَةُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُمَارَوْا بِالنُّذُرِ.
وَالْبَطْشَةُ: الْمَرَّةُ مِنَ الْبَطْشِ، وَهُوَ الْأَخْذُ بِعُنْفٍ لِعِقَابٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ [195] ، وَهِيَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِلْإِهْلَاكِ السَّرِيعِ مِثْلِ قَوْلِهِ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [16] .
وَالتَّمَّارِي: تَفَاعُلٌ مِنَ الْمِرَاءِ وَهُوَ الشَّكُّ. وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ للْمُبَالَغَة. وَضمن
فَتَمارَوْا مَعْنَى: كَذَّبُوا، فَعُدِّيَ بِالْبَاءِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى فِي سُورَة النَّجْم [55] .
[37]
[سُورَة الْقَمَر (54) : آيَة 37]
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37)
إِجْمَالٌ لِمَا ذْكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي قِصَّةٍ قَوْمِ لُوطٍ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ فَرَامَ قَوْمُهُ الْفَاحِشَةَ بِهِمْ وَعَجَزَ لُوطٌ عَنْ دَفْعِ قَوْمِهِ إِذِ اقْتَحَمُوا بَيْتَهُ وَأَنَّ اللَّهَ أَعْمَى أَعْيُنَهُمْ فَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَدْخُلُونَ.