إِيمَانِ قُلُوبٍ قَاسِيَةٍ، فَإِذَا أَظْهَرَ اللَّهُ الْآيَاتِ على يَد رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْيِيدِ صِدْقِهِ شَفَعَ ذَلِكَ بِإِعَادَةِ التَّذْكِيرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الْإِسْرَاء: 59] .
وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ شَاهِدَةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِظُهُورِ آيَةٍ كُبْرَى وَمُعْجِزَةٍ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مُعْجِزَةُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ.
فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ»
و «جَامع التِّرْمِذِيِّ» عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ» . زَادَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ «فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ فِرْقَتَيْنِ، فَنَزَلَتِ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ إِلَى قَوْلِهِ: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ
[الْقَمَر: 2] .
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ.
وَفِي «سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ» كَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (أَي فِي آخر لَيَالِي مِنًى لَيْلَةَ النَّفْرِ) . وَفِيهَا «اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ بِمِنًى وَفِيهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَالْعَاصِي بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَسَأَلُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَشُقَّ لَنَا الْقَمَرَ فِرْقَتَيْنِ فَانْشَقَّ الْقَمَرُ» .
وَالْعُمْدَةُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي «الصَّحِيحِ» قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَانْشَقَّ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ وَفِرْقَةٌ دُونَهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اشْهَدُوا اشْهَدُوا» . زَادَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ «يَعْنِي اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
. قُلْتُ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نِصْفٌ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنِصْفٌ عَلَى قُعَيْقِعَانَ.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَشْهَدُوا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ لِأَنَّ مَنْ عَدَا عَلِيَّا وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُونُوا بِمَكَّةَ وَلَمْ يُسْلِمُوا إِلَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَكِنَّهُمْ مَا تَكَلَّمُوا إِلَّا عَنْ يَقِينٍ.
وَكَثْرَةُ رُوَاةِ هَذَا الْخَبَرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ خَبَرًا مُسْتَفِيضًا. وَقَالَ فِي «شَرْحِ