فِي حَالِ نَظَرِهِمْ إِلَى نُزُولِهَا، لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَوَارِقَهَا الشَّدِيدَةَ عَلِمُوا أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَادَةٍ فَاسْتَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَى السَّحَابِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَذَلِكَ هَوْلٌ عَظِيمٌ زِيَادَةً فِي الْعَذَابِ فَإِنَّ النَّظَرَ إِلَى النِّقْمَةِ يَزِيدُ صَاحِبَهَا أَلَمًا كَمَا أَنَّ النَّظَرَ إِلَى النِّعْمَةِ يَزِيدُ الْمُنَعَّمَ مَسَرَّةً، قَالَ تَعَالَى: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [الْبَقَرَة: 50] .
وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ الصَّعْقَةُ بَدُونِ أَلِفٍ.
وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ تَفْرِيعٌ عَلَى وَهُمْ يَنْظُرُونَ، أَيْ فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ حِينَ رُؤْيَتِهِمْ بَوَادِرَهُ. فَالْقِيَامُ مَجَازٌ لَلدِّفَاعِ كَمَا يُقَالُ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ، أَيْ لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ «غَضِبَ غَضَبًا لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ»
، أَيْ فَمَا اسْتَطَاعُوا أَيَّ دِفَاعٍ لِذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ أَيْ لم ينصرهم نَاصِر حَتَّى يَكُونُوا مُنْتَصِرِينَ لِأَنَّ انْتَصَرَ مُطَاوِعُ نَصَرَ، أَيْ مَا نَصَرَهُمْ أحد فانتصروا.
[46]
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46)
قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَقَوْمَ بِالنِّصْبِ بِتَقْدِيرِ (اذْكُرْ) ، أَوْ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْقَصَصِ قَبْلَهُ، تَقْدِيرُهُ: وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوحٍ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَلَيْسَ مِنْ عطف الْمُفْردَات.
وقرأه أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ بِالْجَرِّ عَطْفًا على ثَمُودَ [الذاريات: 43] عَلَى تَقْدِيرِ: وَفِي قَوْمِ نُوحٍ.
وَمَعْنَى مِنْ قَبْلُ أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا قَبْلَ أُولَئِكَ فَهُمْ أَوَّلُ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ رَسُولَهُمْ أُهْلِكُوا.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ تَعْلِيلٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ.
وَتَقْدِيرُ كَوْنِهِمْ آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ: مِنْ كَوْنِهِمْ عُوقِبُوا وَأَنَّ عِقَابَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ.