وَيَكُونُ لِمَنْ بعد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَسَبِ تَمَسُّكِهِمْ بوصايا الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي زمَان يَغْزُو فآم مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيءَ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيءَ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَاحَبَ النَّبِيءِ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ»
. وَمَعْنَى خَلَتْ مَضَتْ وَسَبَقَتْ مِنْ أَقْدَمِ عُصُورِ اجْتِلَادِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ قَبْلُ مَحْذُوفٌ نُوِيَ مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ، أَيْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ دَالٌّ عَلَى لَفْظِهِ وَلَكِنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَلِذَلِكَ بُنِيَ قَبْلُ عَلَى الضَّمِّ. وَفَائِدَةُ هَذَا الْوَصْفِ الدَّلَالَةُ عَلَى اطِّرَادِهَا وَثَبَاتِهَا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ مَعَ الرُّسُلِ قَالَ تَعَالَى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 21] .
وَلما وصف تِلْكَ السُّنَّةُ بِأَنَّهَا رَاسِخَةٌ فِيمَا مَضَى أَعْقَبَ ذَلِكَ بِوَصْفِهَا بِالتَّحَقُّقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَعْمِيمًا لِلْأَزْمِنَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا لِأَنَّ اطِّرَادَ ذَلِكَ النَّصْرِ فِي مُخْتَلَفِ الْأُمَمِ وَالْعُصُورِ وَإِخْبَارَ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ
تَأْيِيدَ أَحْزَابِهِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ كَائِنٌ أَنْ يَحُولَ دُونَ إِرَادَةِ الله تَعَالَى.
[24]
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ [الْفَتْح: 20] وَهَذَا كَفٌّ غَيْرُ الْكَفِّ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ.
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ لِإِفَادَةِ التَّخْصِيصِ، أَيِ الْقَصْرِ، أَيْ لَمْ