وَ (الْأَدْبارَ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مفعول ثَان لولوا وَمَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ ضَمِيرِ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَوَلَّوْكُمُ الْأَدْبَارَ.

وأل لِلْعَهْدِ، أَيْ أَدْبَارَهُمْ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّ أل فِي مَثْلِهِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهُوَ تَعْوِيضٌ مَعْنَوِيٌّ.

وَالتَّوْلِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ وَالِيًا، أَيْ لَجَعَلُوا ظُهُورَهُمْ تَلِيكُمْ، أَيِ ارْتَدُّوا إِلَى وَرَائِهِمْ فَصِرْتُمْ وَرَاءَهُمْ.

وثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ فَإِنَّ عَدَمَ وِجْدَانِ الْوَلِيِّ وَالنَّصِيرِ أَشُدُّ عَلَى الْمُنْهَزِمِ من انهزامه لِأَن حِينَ يَنْهَزِمُ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَمَلٌ بِأَنْ يَسْتَنْصِرَ مَنْ يُنْجِدُهُ فَيَكُرُّ بِهِ عَلَى الَّذِينَ هَزَمُوهُ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا تَحَقَّقَ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَصِرٍ وَأَصْلُ الْكَلَامِ لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ وَمَا وَجَدُوا وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.

وَالْوَلِيُّ: الْمُوَالِي وَالصَّدِيقُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ النَّصِيرِ إِذْ قَدْ يَكُونُ الْوَلِيُّ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى

إِيوَاءِ وَلَيِّهِ وَإِسْعَافِهِ.

وَالسُّنَّةُ: الطَّرِيقَةُ وَالْعَادَةُ. وَانْتَصَبَ سُنَّةَ اللَّهِ نِيَابَةً عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْآتِي بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ لِإِفَادَةِ مَعْنَى تَأْكِيدِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ. وَالْمَعْنَى: سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ سُنَّةً، أَيْ جَعَلَهُ عَادَةً لَهُ يَنْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ إِذَا كَانَتْ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ نَصْرَ دِينِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ [مُحَمَّد: 7] وَقَالَ: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الْحَج: 40] ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ النَّصْرَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ تَكُونَ عَاقِبَةُ حُرُوبِهِمْ نَصْرًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ يُغْلَبُونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِعِ كَمَا وَقَعَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الْقَصَص: 83] وَقَالَ: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طه: 132] .

وَإِنَّمَا يَكُونُ كَمَالُ النَّصْرِ عَلَى حَسَبِ ضَرُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى حَسَبِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَلِذَلِكَ كَانَ هَذَا الْوَعْدُ غَالِبًا لِلرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ فَيَكُونُ النَّصْرُ تَامًّا فِي حَالَةِ الْخَطَرِ كَمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَكُونُ سِجَالًا فِي حَالَةِ السِّعَةِ كَمَا فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ

قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تَعْبُدُ فِي الْأَرْضِ»

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الْأَعْرَاف: 128] ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015