وَ (أَوْ) لِلتَّرْدِيدِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَالتَّنْوِيعِ فِي حَالَةِ تُدْعَوْنَ، أَيْ تُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِمْعَانَ فِي مُقَاتَلَتِهِمْ وَالِاسْتِمْرَارَ فِيهَا مَا لَمْ يُسْلِمُوا، فَبِذَلِكَ كَانَ أَوْ يُسْلِمُونَ حَالًا مَعْطُوفًا عَلَى جُمْلَةِ تُقاتِلُونَهُمْ وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تُدْعَوْنَ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً تَعْبِيرٌ بِالتَّوَالِي الَّذِي مَضَى، وَتَحْذِيرٌ مِنَ ارْتِكَابِ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ بِأَنَّهُ تَوَلٍّ يُوقِعُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ تَوَلٍّ عَنْ دَعْوَةٍ إِلَى وَاجِبٍ وَهُوَ الْقِتَالُ لِلْجِهَادِ. فَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ التَّوَلِّي لِقَصْدِ التَّشْوِيهِ وَلَيْسَ تَشْبِيهًا فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِك التولي.
[17]
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17)
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [الْفَتْح:
16] وَبَيْنَ جُمْلَةِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ قُصِدَ مِنْهَا نَفْيُ الْوَعِيدِ عَنْ أَصْحَابِ الضَّرَارَةِ تَنْصِيصًا عَلَى الْعُذْرِ لِلْعِنَايَةِ بِحُكْمِ التَّوَلِّي وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ.
وَجُمْلَةُ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِلَخْ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً [الْفَتْح:
16] الْآيَةَ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ إِيتَاءِ الْأَجْرِ لِكُلِّ مُطِيعٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَالتَّعْذِيبِ لِكُلِّ مُتَوَلٍّ كَذَلِكَ، مَعَ مَا فِي جُمْلَةِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ مِنْ بَيَانِ أَنَّ الْأَجْرَ هُوَ إِدْخَالُ الْجَنَّاتِ، وَهُوَ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ أَنَّ التَّعْذِيبَ الْأَلِيمَ بِإِدْخَالِهِمْ جَهَنَّمَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ نُدْخِلْهُ وَنُعَذِّبْهُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُدْخِلْهُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ جَرْيًا عَلَى أُسْلُوبِ الْغَيْبَةِ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى اسْم الْجَلالَة.