لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ.

وَالْكُفْرُ بِالْقُرْآنِ يَشْمَلُ إِنْكَارَ كُلِّ مَا يُوصَفُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ دَلَائِلِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا خَالَفَ مُعْتَقَدَهُمْ وَدِينَ شِرْكِهِمْ وَذَلِكَ بِالِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُونَهَا كَقَوْلِهِمْ:

سِحْرٌ، وَشِعْرٌ، وَقَوْلُ كَاهِنٍ، وَقَوْلُ مَجْنُونٍ، وَلَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا، وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَقُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ إِلَخْ وَاقِعَةً مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلتَّهْدِيدِ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا [فصلت: 40] .

وَالْمَعْنَى: لِأَنَّهُمْ جَدِيرُونَ بِالْعُقُوبَةِ إِذْ كَفَرُوا بِالْآيَاتِ، وَهِيَ آيَة الْقُرْآن الْمُؤَيد بِالْحَقِّ، وَبِشَهَادَةِ مَا أُوصِيَ إِلَى الرُّسُل من قَوْله.

وَمَوْقِعُ إِنَّ مَوْقِعُ فَاءِ التَّعْلِيلِ. وَخَبَرُ إِنَّ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ.

وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيره بِمَا تدل عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْحَالِ مِنْ جَلَالَةِ الذِّكْرِ وَنَفَاسَتِهِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، أَوْ سَفَّهُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا تَذْهَبُ إِلَيْهِ نَفْسُ السَّامِعِ الْبَلِيغِ، فَفِي هَذَا الْحَذْفِ تَوْفِيرٌ لِلْمَعَانِي وَإِيجَازٌ فِي اللَّفْظِ يَقُومُ مَقَامَ عِدَّةِ جُمَلٍ، وَحَذْفُ خَبَرِ إِنَّ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَارِدٌ فِي الْكَلَامِ. وَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ مَا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ الْخَمْسَةِ، وَتَبِعَهُ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَهُ الْفَرَّاءُ فَشَرَطَهُ بِتَكَرُّرِ إِنَّ. وَمِنَ الْحَذْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [25] ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا إِذْ رُوِيَ بِنَصْبِ (رَوَاجِعَا) عَلَى الْحَالِ فَلَمْ يُذْكَرْ خَبَرُ (لَيْتَ) .

وَذَكَرَ أَنَّ الْعَرَبَ يَقُولُونَ: «إِنَّ مَالًا وَإِنَّ وَلَدًا» أَيْ إِنَّ لَهُمْ، وَقَوْلَ الْأَعْشَى:

إِنَّ مَحَلًّا وَإِنَّ مُرْتَحَلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015