وَالْأَخْذُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِصَابَةِ الْمُهْلِكَةِ لِأَنَّهَا اتِّصَالٌ بِالْمُهْلَكِ يُزِيلُهُ مِنَ الْحَيَاةِ فَكَأَنَّهُ أَخْذٌ بِالْيَدِ.
وَالصَّاعِقَةُ: الصَّيْحَةُ الَّتِي تَنْشَأُ فِي كَهْرَبَائِيَّةِ السَّحَابِ الْحَامِلِ لِلْمَاءِ فَتَنْقَدِحُ مِنْهَا نَارٌ تُهْلِكُ مَا تُصِيبُهُ. وَإِضَافَةُ صاعِقَةُ إِلَى الْعَذابِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا صَاعِقَةٌ تُعَرَّفُ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ إِذْ لَا يُعَرَّفُ بِهَا إِلَّا مَا تُضَافُ إِلَيْهِ، أَيْ صَاعِقَةٌ خَارِقَةٌ لِمُعْتَادِ الصَّوَاعِقِ، فَهِيَ صَاعِقَةٌ مُسَخَّرَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعَذَابِ ثَمُودَ، فَإِنَّ أَصْلَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَنَّهَا بِتَقْدِيرِ لَامِ الِاخْتِصَاصِ فَتَعْرِيفُ الْمُضَافِ لَا طَرِيقَ لَهُ إِلَّا بَيَانَ اخْتِصَاصِهِ بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ.
والْعَذابِ هُوَ: الْإِهْلَاكُ بِالصَّعْقِ، وَوُصِفَ بِ الْهُونِ كَمَا وُصِفَ الْعَذَابُ بِالْخِزْيِ فِي قَوْلِهِ: لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ [فصلت: 16] ، أَيِ الْعَذَابَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهُونِ. والْهُونِ: الْهَوَانُ وَهُوَ الذُّلُّ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ هَوَانًا أَنَّهُ إِهْلَاكٌ فِيهِ مَذَلَّةٌ إِذِ اسْتُؤْصِلُوا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ وَتُرِكُوا صَرْعَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَهْلِكِ عَادٍ. أَيْ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِسَبَبِ كَسْبِهِمْ فِي اخْتِيَارِهِمُ الْبَقَاءَ عَلَى الضَّلَالِ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَعْوَةِ رَسُولِهِمْ وَعَنْ دَلَالَةِ آيَاتِهِ.
وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي شَأْنِ عَادٍ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى [فصلت: 16] أَنَّ لِثَمُودَ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْأُمَّتَيْنِ تَمَاثَلَتَا فِي الْكُفْرِ فَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ هُنَا اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا مُحَسِّنُ الِاكْتِفَاءِ، وَهُوَ مُحَسِّنٌ يَرْجِعُ إِلَى الإيجاز.
[18]
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18)
الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا [فصلت: 15] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ [فصلت: 17] لِأَنَّ مَوْقِعَ هَاتِهِ الْجُمْلَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ إِنْجَاءَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَذَابِ بَعْدَ أَنْ ذُكِرَ عَذَابُ عَادٍ وَعَذَابُ ثَمُودَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى إِنْجَاءُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ قَوْمِ عَادٍ وَقَوْمِ ثَمُودَ، فَمَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِيهِ مَعْنَى اسْتِثْنَاءٍ
مِنْ عُمُومِ أُمَّتَيْ عَادٍ وَثَمُودَ فَيَكُونُ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاقِبَةٍ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِهَا